السابق

 

 

خاطرة  2

صدام حسين على جدار كهف أفلاطون الأمريكي!

 

 ومن الخواطر المتصلة بـ "11 سبتمبر" خاطرة أثارها في ذهني خطاب الرئيس الأمريكي بوش في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 سبتمبر 2002 حيث ركز خطابه على "بيان مخالفات صدام حسين لقرارات مجلس الأمن" منذ 1991. وقد استغرب الناس سكوته عن ما كانت تردده الأصوات الناطقة باسم الإدارة الأمريكية قبل هذا الخطاب من أن الرئيس الأمريكي سيدلي بمعلومات موثقة عن امتلاك "صدام حسين" لأسلحة الدمار الشامل بما في ذلك السلاح النووي، وأنه سيعلن عن قراره بضرب العراق حتى وإن لم يوافق عليه حلفاء أمريكا الخ.

والواقع أن اللافت للنظر هو أن الإعلام  الأمريكي (وعلى رأسه خطاب بوش والإدارة الأمريكية) قد ركز بشكل غير مسبوق خلال الشهور الأخيرة على "صدام حسين"، وكان التركيز يزداد حدة كلما اقتربت ذكرى "يوم 11 سبتمبر"، الشيء الذي يدعونا إلى أن ندخل في الحساب أن الإدارة الأمريكية التي فشلت في اعتقال بن لادن "حيا أو ميتا" والتي لم يكن لديها ما تقدمه للشعب الأمريكي من انتصارات ملموسة على "الحرب ضد الإرهاب" في ذكر 11 سبتمبر، قد قصدت قصدا استعمال "وررقة" صدام حسين لصرف نظر الشعب الأمريكي ونظر العالم أجمع عن إخفاقها في كسب "الحرب ضد الإرهاب" رغم مرور عام كامل على خوض الولايات المتحدة لهذه الحرب بكل قدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية والتقنية والإعلامية الخ.

 فلما مرت الذكرى نزل بوش بخطابه من مستوى "العزم" على توجيه ضربة للعراق إلى مستوى المرافعة ضد سلوك صدام حسين في السنوات الماضية، مرافعة لم تأت بجديد في موضوعها ولكنها أكدت حقيقة كون السياسة الخارجية الأمريكية ليست انعكاسا مباشر لسياستها الداخلية فحسب، بل هي أيضا تخضع لمتطلباتها الظرفية مثل الانتخابات! وهكذا فإن احتفاظ الإدارة الأمريكية بالرأي العام في بلادها مشدودا إلى قضايا خارجية تقدم باسم "المصلحة القومية" أو "الدفاع عن الأمن القومي" أو "الدفاع عن القيم الأمريكية" يهدف إلى صرف اهتمام الرأي العام في الولايات المتحدة عن القضايا الداخلية، خصوصا وانتخابات الكونغريس قريبة، وهي الانتخابات التي يخشى الجمهوريون أن يخسروها.  

السياسية الأمريكية الخارجية تحكمها اعتبارات السياسة الداخلية، أما السياسة الداخلية نفسها فيحكمها الإبقاء على الشعب الأمريكي في "كهف أفلاطون"، هذا الكهف الذي يرسم التماثيل على جدرانه اللوبي المتنفذ في الإدارة الأمريكية. وهكذا رأينا صور بن لادن وعرفات وصدام حسين تتناوب الصدارة على هذا الجدار، أما الصور الهامشية التي قد تصبح غدا مركزية فهي صور السعودية وإيران ومصر وسورية والبقية تأتي...